التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مميزة

كإبلٍ مائة (ومضة العتماء)

  ومضة العتماء كإبلٍ مائة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة" ( رواه البخاري بإسناد صحيح)  ومضة أخرى برقت في ذاكرة الشاب، لطالما أضاءت له عتماءه على مدار عمره المنصرم؛ الأصدقاء. ربما كان يتحير سالفًا بسبب ندرة صداقاته، لقد كان الكثيرون يحيطون به، بينما لم يتعد أصدقاؤه أصابع يديه عددًا، لماذا؟ هل كان لمفهوم الصداقة لديه قدسية من نوع خاص جعلته يدقق بحذق فيمن يستحق هذا الوسام؟! أم أنه يفتقر إلى الكاريزما التى تجذب الرفاق إليه؟ وبالرغم من نقاء مشاعره إزاء الآخرين، ومساعيه الدءوبة لخدمتهم وإسعادهم كلما أمكن له ذلك؛ فقد لازمه شعور خفي بأنه شخصٌ منزوٍ وانفرادي، وغير اجتماعي. ظل يحتفظ بذاك الشعور حتى أدرك أخيرًا أنَّ قلة أصدقائه؛ هي في الواقع قلة انتقاء واصطفاء لا قلة انطواء وإقصاء. ربما سمحت له محنة الأسر بأن يعيد توصيف الحالة برمتها. تأمل الشاب ذاته؛ فأدرك أنّ الانطواء لم يكن شيمته في الأساس، بل كان نوعًا من التريث، وكان تريثه ينطوي على عدة مراحل: -المرحلة الأولى: هي استكشاف سمات العز والفضيلة في...

سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ (٨)


-أدركت خلال رحلة التدبر في آيات الله معانٍ قد تغيب عن أذهان البعض ،فهذا نبينا وقدوتنا ،أتى إليه ثلاثة نفر ،فيخبره أحدهم انه لا يتزوج النساء ،ويخبره الآخر بأنه يصوم الدهر ولا يفطر ،ويخبره الثالث بأنه يقوم الليل ولا ينام..  فيرد خير الأنام :أما أنا فأتزوج النساء ،وأصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام ،فمن رغب عن سنتي فليس مني.

 و بنظرة تأمل نجزم يقينا بأن هؤلاء الثلاثة ما أقدموا على تلك الأمور إلا بُغية التفرغ للعبادة.. فلماذا نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟

 أخبرنا رب العزة في كتابه العزيز:

"إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ"

فإن كان الأولاد فتنة ،فلماذا نتزوج النساء لننجب الأولاد؟

لعل الحكمة من بعض التشريعات ،هو زيادة صعوبة الاختبار ،ليُجزى كل محسن قدر إحسانه ،في ظل كل ما يحيق به من معوقات وفتن ،ينتصر عليها بإيمانه.. فإذا قرر رجل أن يسكن الصحراء ويبتعد عن البشر تجنباً للوقوع في المعاصي.. ففي الصحراء لا يوجد نساء.. لن ينظر لإحداهن فتقع عيناه في الزنا.. لن يقع في النميمة ،إذ لا أحدٌ معه من الأساس لكي يحدثه أو يتحدث عنه.. لن يسرق.. لن يزنى.. لن يسب أحداً.. لن يظلم.. لن يخسر الميزان.. لن .. لن .. لن..... هو مجبر على الصلاح.. الوضع الذي يحياه يجبره على ذلك.. هل يعتبر ناجحاً في الاختبار؟ بل هل هناك اختبار من الأساس؟  في الواقع هو لم يرتكب المعاصي ،فهو من الناجين ،ولكن هل يستوى مع من تعرض لكل هذه الاختبارات وتجاوزها ونجح بجدارة؟  

الإجابة قطعاً (لا)

فإذا إختُبر بعض الطلاب في بيئة مليئة بالفوضى ،وفي درجة حرارة مرتفعة ،ووقت قصير غير كافٍ للإجابة.. فيتفوق الصفوة الذين لا يتعللون بالظروف ،ولا يدعونها تثنى إرادتهم أو تثبط عزائمهم.. هكذا المؤمنون الذين لا يحيدون عن الطريق مهما صادفهم من عقبات وفتن.. يتجاوزون متاع الدنيا ويزهدونه وهم مالكوه ،رغباً فيما عند الله من حسن العاقبة ،ورهباً من شديد عذابه.. وفي ذلك قال تعالى في كتابه العزيز:

"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"

وقوله كذلك :

 "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ"

وختم الآية بتلك البشرى:

"وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"

فنعم البيع والتجارة مع الله.. تجارة لن تبور أبداً مع الله الكريم الوهاب ،المعطى بغير حساب

واذا أمعننا التفكر في آيات الله نجد أن الفتنة اقترنت باللأموال والأولاد  مرتين في القرآن الكريم ،ليتبع بعدها بقوله تعالى:

"إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ"

 وإذا دققنا النظر ،نجد أن الفتنة قد تكون بعدم صلاح الولد ،أو شبهات في مال.. وقد يكون الافتتان بالحب في حد ذاته.. فالله سبحانه يغار على قلوب عباده فيفتتنا فيما نحب ومن نحب لأن مراده سبحانه ،أن يعلو حبه تعالى فوق حب نعمه.. ومما لا ينكره بشر ،أن المال والولد هما من الحب أعظمه ،لذا كانا أعظم الفتن ،وبالتالى فمردود جهادهما على النفس ،هو الأجر العظيم من الملك سبحانه.. الذي يعلم مشاق طريق الصالحين ،ويعلم كذلك ما في نفوسهم من ضعف يتفاوت بقدر إيمانهم ،فيستنهض عزائمهم ويخفف عنهم تلك المشاق ،بإخبارهم بعظم الثواب الذي ينتظرهم في الاخرة:

"يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا"

"لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ"

 فكل ما في هذا الكون ،يجرى بتدبيره وحكمته سبحانه جل وعلا.. كريم في عطائه ،حكيم في منعه ،فحاشاه أن يكون في منعه بخل ،بل حكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه.. وليعلم الله الذن سلَّموا ورضوا بقضائه ،ليؤجر الصابر على بلائه ،فجزاء الصبر مدخر عند العزيز القدير.. و إن زمن الابتلاء مقدار يسير ،وإنه مهما طال قصير..

 ومتى ارتقي فهم الانسان بأن كل ما يجري إنما هو مراد الحق سبحانه وتعالى ،إقتضى إيمانه بالتسليم بل والرغبة فيما أراده الحكيم العليم ،ولو كان ظاهر إرادته سبحانه ضد ارادة المرء ومبتغاه.. ولو لم يكن كذلك ،كان خارجا عن حقيقة معنى العبودية..

وهذا أصل ينبغى أن يُتَأمل ويعمل عليه في كل غرضٍ انعكس.. (من كتاب : صيد الخاطر لابن الجوزى)

ومن كان في سخطه محسـناً     ..      فكيف يكون اذا ما رَضِيَ

صبرت ولا والله ما بي جلادة    ..     على الحب لكنى صبرت على الرغمِ

ولنا في عروة بن الزبير قدوة وخير مثال على الصبر التام والتسليم لمراد الله.. فلما بترت ساقه ،لم يُسمع له حسَّاً ،وجعل يقول :

لئن أخذت فقد ابقيت ،ولئن ابتليت فقد عافيت.. ولم يترك حزبه من القرآن في تلك الليلة.

فهذا هو دأب التابعين الذين علموا جوهر هذا الدين وخلصوا إلى العمل به.. فمن تلمع بحر الدنيا ،وعلم كيف يتلقى الأمواج.. وكيف يصبر على مدافعة الأيام ،لم يستهول نزول بلاء.. ولم يفرح بعاجل رخاء. 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة