التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مميزة

كإبلٍ مائة (ومضة العتماء)

  ومضة العتماء كإبلٍ مائة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة" ( رواه البخاري بإسناد صحيح)  ومضة أخرى برقت في ذاكرة الشاب، لطالما أضاءت له عتماءه على مدار عمره المنصرم؛ الأصدقاء. ربما كان يتحير سالفًا بسبب ندرة صداقاته، لقد كان الكثيرون يحيطون به، بينما لم يتعد أصدقاؤه أصابع يديه عددًا، لماذا؟ هل كان لمفهوم الصداقة لديه قدسية من نوع خاص جعلته يدقق بحذق فيمن يستحق هذا الوسام؟! أم أنه يفتقر إلى الكاريزما التى تجذب الرفاق إليه؟ وبالرغم من نقاء مشاعره إزاء الآخرين، ومساعيه الدءوبة لخدمتهم وإسعادهم كلما أمكن له ذلك؛ فقد لازمه شعور خفي بأنه شخصٌ منزوٍ وانفرادي، وغير اجتماعي. ظل يحتفظ بذاك الشعور حتى أدرك أخيرًا أنَّ قلة أصدقائه؛ هي في الواقع قلة انتقاء واصطفاء لا قلة انطواء وإقصاء. ربما سمحت له محنة الأسر بأن يعيد توصيف الحالة برمتها. تأمل الشاب ذاته؛ فأدرك أنّ الانطواء لم يكن شيمته في الأساس، بل كان نوعًا من التريث، وكان تريثه ينطوي على عدة مراحل: -المرحلة الأولى: هي استكشاف سمات العز والفضيلة في...

سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ (٥)

(٤) أدلة ان الصبر من شروط دخول الجنة :

-"أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ"

-"وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ"

-"وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"

ولما كان الصبر على الطاعات أولى الأولويات ،لأن صاحب الحسنة يجازى بعشرة أمثالها ،بينما لا يجزى صاحب السيئة إلا بمثلها.. لذلك نبهنا رب العزة إلى سبيل الفلاح في شِق الصبر على الطاعات فقال تعالى:

"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"

فالبداية تكون بالصحبة ،فإذا صلحت ،صلح المرء وهانت عليه مشقة الطاعات .. وإذا فسدت فسد ،فتصبح الطاعات أشق ما يكون على نفسه.. وإن الشيطان مثل الذئب ،يأكل من الغنم القاصية.. فهو أقرب للواحد من الإثنين ،وإلى الإثنين من الثلاثة.... وهكذا.

ولا يعنى قولنا هذا ،العصمة المطلقة  ،فلا عصمة من أمر الله إذا أتى ،ولكن أخذٌ بالأسباب ،لعل الله يصدقنا وعده إذا صدقنا ما في قلوبنا ،وحققنا مراده سبحانه وتعالى منا ،بالإيمان الكامل والصبر وعدم الالتفات إلى نعيم الدنيا وزينتها الزائفة.. ورجاء الاخرة ،فهى الحياة الحق.. فإما إلى جنة وإما إلى نار -أعاذنا الله وإياكم منها- فقد هدانا لله سبلنا ،فإما شكور وإما كفور.

الهجرة الى الله

 أوضحت سير السابقين في قصة قاتل المئة نفس ،بأن العالِم نصحه -بعد توبته- بترك الأرض التى ارتكب فيها تلك المعاصي -باعتبارها أرض سوء- والهجرة إلى أرض صالحة.. وقد حث الاسلام على مفهوم الهجرة في الله   وشدد في المتقاعسين عنه ،لما ينتج عن ذلك من فتن ومضار.. فقد قال تعالى في محكم التنزيل : 

 "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " 

فانظروا أحبتى  في الله إلى جزاء التقاعس ،وانظروا كيف استثنى الرحيم سبحانه من ليس لهم سبيل للهجرة من الرجال والنساء والولدان المستضعفين الذين لا حيلة لهم ولا مال ،أو من تترتب على هجرتهم مضرة حال ضلوا الطريق لجهلهم به مما قد يعرضهم للهلاك..

ورغم ذلك إلا أن الآية تلقى الضوء على فئة من هؤلاء القابعين تحت مظلة هذا الاستثناء ،فنجدهم مجهولوا 

المصير ،إذ يحكم الله في حالهم يوم القيامة من منطلق علمه ببواطن أمورهم وحقائق نواياهم.. حيث قال سبحانه:

"فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا"

إنتبهوا أحبتي إلى كلمة (عسى).. فليس بالأمر الهين أن يكون العفو مسبوقا بتلك الكلمة ،والتى تفيد الاحتمال في أن يعفو أو لا يعفو ،ذلك وفق تقديره وعلمه.

لابد من التمييز بين الصبر والهجرة ،فالصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي يتحقق بتواجد الأسباب التى تعين المرء على ذلك.. إلى جانب الصبر والصلاة..

كما أن البيئة الصالحة والصحبة الصالحة من أهم العوامل للثبات والمصابرة.. وقد ذكرنا ذلك آنفاً.. فالصبر يتحقق بتحقق عوامل الثبات ،فإذا انعدمت تلك العوامل ،فإن المرء يساق دون أن يدري ،ليجد نفسه في أتون فتنة ،قد تهلكه ،ذلك لو أنه استسلم لواقعه وتقاعس عن تحقيق عوامل الثبات.. ولاتقاء تلك الفتنة ،وجبت الهجرة في هذه الحالة..

كما تعد الهجرة إختباراً لصبر المرء على ترك الأهل والديار ،والصحبة رغباً وطمعاً فيما عند الله من فضل وخوفاً من الفتنة ورهباً مما يترتب عليها من غضب رب العزة وعذابه.


يتبع .....

تعليقات

المشاركات الشائعة