التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مميزة

كإبلٍ مائة (ومضة العتماء)

  ومضة العتماء كإبلٍ مائة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة" ( رواه البخاري بإسناد صحيح)  ومضة أخرى برقت في ذاكرة الشاب، لطالما أضاءت له عتماءه على مدار عمره المنصرم؛ الأصدقاء. ربما كان يتحير سالفًا بسبب ندرة صداقاته، لقد كان الكثيرون يحيطون به، بينما لم يتعد أصدقاؤه أصابع يديه عددًا، لماذا؟ هل كان لمفهوم الصداقة لديه قدسية من نوع خاص جعلته يدقق بحذق فيمن يستحق هذا الوسام؟! أم أنه يفتقر إلى الكاريزما التى تجذب الرفاق إليه؟ وبالرغم من نقاء مشاعره إزاء الآخرين، ومساعيه الدءوبة لخدمتهم وإسعادهم كلما أمكن له ذلك؛ فقد لازمه شعور خفي بأنه شخصٌ منزوٍ وانفرادي، وغير اجتماعي. ظل يحتفظ بذاك الشعور حتى أدرك أخيرًا أنَّ قلة أصدقائه؛ هي في الواقع قلة انتقاء واصطفاء لا قلة انطواء وإقصاء. ربما سمحت له محنة الأسر بأن يعيد توصيف الحالة برمتها. تأمل الشاب ذاته؛ فأدرك أنّ الانطواء لم يكن شيمته في الأساس، بل كان نوعًا من التريث، وكان تريثه ينطوي على عدة مراحل: -المرحلة الأولى: هي استكشاف سمات العز والفضيلة في...

العناية المفخخة (خواطر)



- "متخيل يا صاحبى انهم خلعوا لى الضرس السليم بدل المكسور !"

- "ده فى ناس دخلوا يعملوا عملية البواسير خرجوا بيعملوا على روحهم !"

- "شندلونى (عجزونى) يا صاحبى بعد ما عملوا لى عملية فى الركبة"

 سقطت - من شجرة ذاكرته - قطوف من مآسي رفاقه ، التى عايشها على مدار سنوات ظلمه العجاف .. لتستقر صوب عينيه وكأنها تحدث تواً ..
تساءل في قهرٌ : هل يستحق أى إنسان كل هذه القسوة !! أين ادعاءاتهم بأن السجن مركز تأهيل وإصلاح ، بينما هو في الواقع مفرمة تعجيز وإهلاك !! 

لم يقو على كبح مشاعره المضطربة من الظلم و قلة الحيلة التى يتجرعها كغيره من رفاق الزنازين ..
لم يقو على شرح معاناته ففى كل الأمراض التى أصابته وإن كانت مزمنة آثر أن ينتظر الزيارة فيطلب من أهله العلاج المناسب أو يستسلم لأن يكون فأر تجارب ، يجرب فيه أصدقاؤه .. فهم وإن كانوا قليلي الخبرة ، إلا أن حسن نواياهم تجاهه كانت مصدر أمانه الوحيد .. 

قد ينتفض أحدكم قائلا: "هذا ليس قانونياً" 
ولكنه الواقع المرير للأسف .. فلا تلومن على يائس بائس أضناه الالم ، حينما يكون ذلك منفذه الوحيد .. حتى وإن فقد حياته فيكفيه شرف المحاولة .. 
ربما كان هذا الخيار افضل من المجازفة والذهاب لمشفى السجن .. حيث الأطباء يفتقرون للخبرة كما الانسانية .. فقبل إجراء أى جراحة يقوم المريض بالتوقيع على إقرار  بأنها على مسئوليته الشخصية ، بعبارة أخرى "أوافق على أن أكون حقل تجارب لأطبائكم الهواة" ..
ومع ذلك فقد اضطر كثيرون لهذا الخيار ، خاصة ممن طال عليه أمد الأسر فنسيه حتى أقرب الاقربين .. ربما كان نوعاً من الانتحار البريء .. صدقونى هذه ليست مزحة تستدعي الضحك.. هذه الحقيقة المرة التى لا يمكنكم تخيلها.
  
تذكر خراجاً أصابه فى إبهام يده وكيف استخرجه له أصدقاؤه ، فقام أحدهم بربطه كى لا يتحرك مع الألم وقام الآخر بأدوات بسيطة كالملقاط باستخراج عين الخراج ..

فى بلادنا تأتى المساعدة متأخرة دوماً ولكن فى السجون وبالأخص قد لا تأتى أصلاً .. فأنت تنتقل من كونك إنسان لكونك مجرم - هذا إن افترضنا الإنصاف في قضائهم . 

ففى هذا العالم يا سادة.. عالم ماوراء القضبان ، لا يسلم حتى الموتى من الظلم .. 
يكفى أن تعلم أنه لا يصدر تصريح دفن الا بعد دفع بعض الرسوم منها البطاطين التى سيلتفون بها ..

تذكر كم من بطل ورمز شعبي أصبح مدانا بين عشية وضحاها .. وكم من حثالة تقلدوا رفيع المناصب .. لكن وعد الله الصادق ، آتٍ لا محالة ، ليحق الحق بكلماته ، فيخلد ذكر الأبطال الحقيقين ، ويذهب الحثالة إلى مزبلة التاريخ ، تتقاذفهم الذموم  واللعنات .. فإن لم تكن بلادنا مأوى للعدل فالله - سبحانه - هو العدل وكفى !! 

تعليقات

المشاركات الشائعة