- "متخيل يا صاحبى انهم خلعوا لى الضرس السليم بدل المكسور !"
- "ده فى ناس دخلوا يعملوا عملية البواسير خرجوا بيعملوا على روحهم !"
- "شندلونى (عجزونى) يا صاحبى بعد ما عملوا لى عملية فى الركبة"
سقطت - من شجرة ذاكرته - قطوف من مآسي رفاقه ، التى عايشها على مدار سنوات ظلمه العجاف .. لتستقر صوب عينيه وكأنها تحدث تواً ..
تساءل في قهرٌ : هل يستحق أى إنسان كل هذه القسوة !! أين ادعاءاتهم بأن السجن مركز تأهيل وإصلاح ، بينما هو في الواقع مفرمة تعجيز وإهلاك !!
لم يقو على كبح مشاعره المضطربة من الظلم و قلة الحيلة التى يتجرعها كغيره من رفاق الزنازين ..
لم يقو على شرح معاناته ففى كل الأمراض التى أصابته وإن كانت مزمنة آثر أن ينتظر الزيارة فيطلب من أهله العلاج المناسب أو يستسلم لأن يكون فأر تجارب ، يجرب فيه أصدقاؤه .. فهم وإن كانوا قليلي الخبرة ، إلا أن حسن نواياهم تجاهه كانت مصدر أمانه الوحيد ..
قد ينتفض أحدكم قائلا: "هذا ليس قانونياً"
ولكنه الواقع المرير للأسف .. فلا تلومن على يائس بائس أضناه الالم ، حينما يكون ذلك منفذه الوحيد .. حتى وإن فقد حياته فيكفيه شرف المحاولة ..
ربما كان هذا الخيار افضل من المجازفة والذهاب لمشفى السجن .. حيث الأطباء يفتقرون للخبرة كما الانسانية .. فقبل إجراء أى جراحة يقوم المريض بالتوقيع على إقرار بأنها على مسئوليته الشخصية ، بعبارة أخرى "أوافق على أن أكون حقل تجارب لأطبائكم الهواة" ..
ومع ذلك فقد اضطر كثيرون لهذا الخيار ، خاصة ممن طال عليه أمد الأسر فنسيه حتى أقرب الاقربين .. ربما كان نوعاً من الانتحار البريء .. صدقونى هذه ليست مزحة تستدعي الضحك.. هذه الحقيقة المرة التى لا يمكنكم تخيلها.
تذكر خراجاً أصابه فى إبهام يده وكيف استخرجه له أصدقاؤه ، فقام أحدهم بربطه كى لا يتحرك مع الألم وقام الآخر بأدوات بسيطة كالملقاط باستخراج عين الخراج ..
فى بلادنا تأتى المساعدة متأخرة دوماً ولكن فى السجون وبالأخص قد لا تأتى أصلاً .. فأنت تنتقل من كونك إنسان لكونك مجرم - هذا إن افترضنا الإنصاف في قضائهم .
ففى هذا العالم يا سادة.. عالم ماوراء القضبان ، لا يسلم حتى الموتى من الظلم ..
يكفى أن تعلم أنه لا يصدر تصريح دفن الا بعد دفع بعض الرسوم منها البطاطين التى سيلتفون بها ..
تذكر كم من بطل ورمز شعبي أصبح مدانا بين عشية وضحاها .. وكم من حثالة تقلدوا رفيع المناصب .. لكن وعد الله الصادق ، آتٍ لا محالة ، ليحق الحق بكلماته ، فيخلد ذكر الأبطال الحقيقين ، ويذهب الحثالة إلى مزبلة التاريخ ، تتقاذفهم الذموم واللعنات .. فإن لم تكن بلادنا مأوى للعدل فالله - سبحانه - هو العدل وكفى !!
تعليقات
إرسال تعليق