-اسمك ايه ؟
=عبد الله
-إزاى تكون عبد الله ومش بتصلي لله ؟؟
كان سؤال الشيخ أول سهم ابتدر ران قلبه، ونغز عقيدته نغزة طفيفة ليستفيقها من سباتها الطويل.
بضعة أيام مرّت، ليستيقظ في ذلك الصباح على صوت الشيخ يرتل: " وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَة ضَنكًا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِیۤ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِیرًا. قَالَ كَذَ ٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَایَـٰتُنَا فَنَسِیتَهَاۖ وَكَذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمَ تُنسَىٰ"، سقطت الكلمات في أذنيه، فلامست فؤاده وزلزلت أعماقه، شعر بأنها السهم الثاني الذي نال من ران قلبه، ودحره بلا رجعة.
شرد لبرهة.. ففي مقامه هذا لا أحد يدري مصيره، أحي هو أم ميت؟ ولا أحد يسمع نواحه سوى الله.
توسد الجدار برأسه، ورغم العصابة التى تلُفُّ عينيه؛ فرّت دمعاته لتنحدر على الجدار، فحالُه يتمزق له نياط القلب، لكن تلك المشاعر السلبية لم تمنعه من الشعور بانجلاء تلك الغشاوة؛ تسلل شعاع الهدى إلى أوصاله، فانهمر على وجنتيه سيل جارف من الدمعات، دون سابق إنذار، لا يدري ماهية تلك الدموع! أهي دموع الخجل والتوبة والخشوع؟ أم دموع الندم و الخوف من الله؟
ترددت في أعماقه أصداء الآية: "وَكَذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمَ تُنسَىٰ" ربما لم يتخيل -قط- فكرة أن ينساه الله! لماذا!! هل أَمِنَ عقابه كونه سبحانه الغفور الرحيم! أم غرّته الحياة الدنيا بمتاعها، وصحبة زائلة!
كيف نسِيَ الله! بينما يقرأ اسمه الأعظم ويكتبه ويسمعه يوميًا عشرات المرات مقترنًا باسمه هو، مقرًّا بعبوديته له سبحانه (عبد الله)!
لم تستغرقه الأفكار طويلًا، هبَّ واقفًا، وهرع يتحسس الجدران حتى وصل إلى الحمام وشرع في الوضوء، ثم وقف في خشوع بين يدي الله يُصلي متضرعًا نادمًا على سالف تقصيره، منيبًا راجيًا أنْ تدركه رحمة ربه، فلا يُنسَى. سجد في وجل، كيف استسلم لنزغ الشيطان؛ الذي أورث قلبه حزنًا وغمًا، وألقى على عقله كوابيس وأفكارًا بائسة تورثه اليأس والإحباط والقنوط؟ وكيف لا! وقد أقسم هذا الملعون ليغوينّ بني آدم إلى يوم الدين، ولم يحنث منذ بدء الخليقة في قسمه، فلا عجب أن يكون ذلك ديدنه مع عبد ضعيف مقصر، أطال سجوده وهو يتمتم حمدًا لله على أنْ أفاقه ومنحه تلك الفرصة للإنابة في الحياة الدنيا، حيث لا سبيل للندم في الآخرة.
شعر أنه يستعيد هويته ويقاوم آثار التشويش الذي خيم على عقيدته لسنوات؛ لكنها النبتة التى بذرها والداه تعود وتزهر من جديد، شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
لملم شتات نفسه، و همّ بمراجعة ما كان قد حفظه من القرآن الكريم، آملًا أن تحوطه بركته ونوره وهداه ويكشف به الله عنه ما هو فيه من حزن وكرب، وظل هذا ديدنه، كلما ضاقت به السبل هرع إلى مصلاه، يسكب أوجاعه ودمعاته في سجدة بين يدي الله، ويظل هكذا حتى تهدأ نفسه وترضى.
تعليقات
إرسال تعليق