بحث هذه المدونة الإلكترونية
تفكر فى تجارب وخبرات حياتية تفكر في آيات الله وأوامره ونواهيه تفكر فى نقد بناء لتصحيح المسار ..
مميزة
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
أثرة فإيثار (ومضة العتماء)
شرد الفتى المدلل ،يستعرض سالف حياته.. ربما ضجت بالابتلاءات والمآسي ،لكنها احتفظت له بمزية فريدة ،إذ كان أثير والديه كليهما..
لقدظل يترف في تلك النعمة -حينا من الدهر- حتى أتاه الابتلاء الذي اختبر فيه كل شيء.
تخيل ياصديقي أنك ضللت الطريق مع بعض الرفاق بواد قفر ،تحاصركم ثلة من الحيوانات ،لا تدرون سبيلا أو أونا للنجاة من هذا المكان.. ربما يحمل كل منكم زاد رحلته من طعام وشراب ،لكن الزاد -حتما- في نقصان بمرور الوقت..
ليس هذا هو المأزق الوحيد ،بل إن الخطب الأكبر الذي يمكن أن تصادفه هو ذلك التفاوت الجامح في طبائع البشر.. فتجد من بين رفاق الرحلة شحيح و مسرف ،ومنهم مكترث و مستهتر ،ومنهم جاهل وفطن ،ومنهم أحمق وحصيف ومنهم كذلك غني وفقير .... وهكذا ،كما أى مجتمع صغير يضم نقائض ونظائر..
راوده سؤال حائر بينما يجول ببصره في الوجوه حوله :
-رغم كل هذا التباين والتفاوت في الشخصيات التي يخالطها راغما ،وفي ظل تناقص مؤونته ،هل كان ليؤثر غيره بما يحب؟؟
ربما لو سألته -سالفا- لجاءتك إجابته -ككثيرين غيره- حافلة بفيض من المنطق ونفحات من الأثرة:
-بالطبع لا
لا تعجب من إجابته ياصديقي دون أن تتقمص حاله ،حينها ستدرك أن إجابته لم تكن سوى واحدة من البديهيات في قانون الطبيعة البشرية..
إرتد الفتى إلى واقعه القريب.. لقد كانت أمه تأتى برفقة أخيه ،يحملان إليه الزيارات -التى ترهقهما ماديا وجسديا - فكانا يؤثرانه بكل مالذ وطاب من صنوف الطعام التى يحبها ،آملين أن يريا أثر اهتمامهما على صحته وهيئته..
ربما لم تكن امكانياتهما تتسع لتقديم تلك الرفاهيات لرفاقه أيضا.. وفي لحظة فارقة ، راح الفتى يتفكر في الأمر منسلخا من أثرته الغابرة ،إذ كيف يتنعم في رزق الله وفضله ،وغيره يشتهي مابيديه؟
لقد كان يرى ذلك التفاوت المادي بين الناس أمرا غير عادل.. فجأة قفزت إلى ذاكرته آيات الله تعالى في نهاية سورة الأنعام:
( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيم آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم)
وقوله سبحانه في سورة النساء ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا)
لم يستغرق وقتا طويلا حتى وجد حلا لتلك المعضلة في عالمه المثالي الذي نقشت الظروف معالمه.. لقد تكشفت له الحقيقة توا .. نعم .. إن مقصد التفاوت إذآ هو الامتحان ،هل نتصرف في رزق الله بمراد الله أم بأهوائنا؟
ونتيجة الامتحان إما تسليم ورضا ،فجنة وإما إعراض وجحود ،فنار والعياذ بالله.
أتعلمون ؟؟ عند نقاط التحول غالبا ما تتبدل الأشياء إلى نقائضها .. وعند نقطة تحوله ،تحولت الأثرة والخوف من نفاذ النعم ،إلى إيثار ،إيمانا منه بأن كل من رزق الله وخزائن الكريم سبحانه لا تنفذ.
لقد اختفى عن هذا العالم لنصف عام ونيف ،معصوب العينين.. لم يكن لديه سوى ما يستر به جسده من ثياب رثة ،تبلى مع الوقت.. حرم الزيارات ،فلم يستطع ذويه إليه سبيلا.. وجد نفسه وحيدا بائسا ،يفتقد الأنس بهم في أوج مرضه واحتياجه لهم .. في تلك اللحظة تبدلت نظرته للأشياء .. ليستشعر فجأة أنه و هؤلاء المحيطين به ،رفقاء على متن قارب واحد ،فإن نجوا نجوا جميعا وإن هلكوا هلكوا جميعا.. حتى وإن اختلفت طبائعهم وتفاوتت منازلهم وأحوالهم المادية .
لقد رأى في هذا الابتلاء هدنة لمراجعة ماسلف ،واكتشاف ومضة أخرى في عتمائه ،ألا وهي الأيثار..
طفق يوزع من مؤونته على من حوله ،راجيا من الله البركة فيما بقى.. فلم يشعر بنقص أو حاجة أو حرمان ،بل على العكس ،شعر بالغنى والكفاية والرضا.
لقد سمع سالفا عن علاج السم بالسم ،أو علاج الحرارة بالحرارة ،لكنه رأى السعادة بأم عينه حين جرب واختبر أن يكون حزينا فيسعد من حوله
،أو أن يكون محتاجا وينفق ،فينفق الله عليه.
خرج من تلك التجربة مؤثرا غيره بما لديه ، راغبا في إدخال السرور على قلوب مسلمين تهدمت حيواتهم وفقدوا صحتهم وأحبتهم..
إستمر بعطائه ،راجيا خير ما عند الله وبقاءه ،فكان الكريم الرزاق له أسبق ،محقا قوله تعالى :
( وماتنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق