التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مميزة

كإبلٍ مائة (ومضة العتماء)

  ومضة العتماء كإبلٍ مائة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة" ( رواه البخاري بإسناد صحيح)  ومضة أخرى برقت في ذاكرة الشاب، لطالما أضاءت له عتماءه على مدار عمره المنصرم؛ الأصدقاء. ربما كان يتحير سالفًا بسبب ندرة صداقاته، لقد كان الكثيرون يحيطون به، بينما لم يتعد أصدقاؤه أصابع يديه عددًا، لماذا؟ هل كان لمفهوم الصداقة لديه قدسية من نوع خاص جعلته يدقق بحذق فيمن يستحق هذا الوسام؟! أم أنه يفتقر إلى الكاريزما التى تجذب الرفاق إليه؟ وبالرغم من نقاء مشاعره إزاء الآخرين، ومساعيه الدءوبة لخدمتهم وإسعادهم كلما أمكن له ذلك؛ فقد لازمه شعور خفي بأنه شخصٌ منزوٍ وانفرادي، وغير اجتماعي. ظل يحتفظ بذاك الشعور حتى أدرك أخيرًا أنَّ قلة أصدقائه؛ هي في الواقع قلة انتقاء واصطفاء لا قلة انطواء وإقصاء. ربما سمحت له محنة الأسر بأن يعيد توصيف الحالة برمتها. تأمل الشاب ذاته؛ فأدرك أنّ الانطواء لم يكن شيمته في الأساس، بل كان نوعًا من التريث، وكان تريثه ينطوي على عدة مراحل: -المرحلة الأولى: هي استكشاف سمات العز والفضيلة في...

أخيتى العروس (٧)

النصيحة الثانية عشرة :

كونى كامرأة شريح القاضي

أخيتى الحبيبة.. تعالى لنستريح قليلاً من ثقل النصح إلى قصة ممتعة هي قصة شريح القاضي وزوجته في ليلة زفافهما.. وقد أردت أن أسردها لكِ لما فيها من قواعد رسخت بناء زواجهما وزادته صلابة بما تقر به الأعين وتنشرح معه الأنفس..

فقد قال الشعبي : لَقِيَني القاضي شريح، فقال لي: يا شعبي إذا رغبتَ في الزواج فعليك بنساء بني تميم، فإني رأيتُ لهن عقولا راجحة ،وأدبا جما ،ودينا وخُلُقا ،وجمالاً نادرا ،فقلت وما رأيتَ من عقولهن؟

قال : أقبلتُ ذات يوم من دفن جنازة وقت الظهر، فمررتُ بدور بني تميم وإذا أنا بعجوز تجلس أمام باب دارها وإلى جانبها جارية "فتاة صغيرة" كأحسن ما رأيتُ من الجواري، كأنها البدر ليلة تمامه , فمِلتُ إليها،واستسقيتُها (أي طلبت أن يسقوني) وما بي من عطش , فقالت لي (يعني العجوز): أيُّ الشراب أحب إليك؟ قلت: ما تيسر

قالت: ويحك يا جارية قومي فائيتهِ بلَبنٍ، فإني أظن الرجل غريبا

 فقلتُ للعجوز بعد أن شربتُ من اللبن : يا خالة أخبريني مَنْ تكون هذه الجارية منك؟ قالت: هي ابنتي زينب بنت حدير التميمي إحدى نساء بني حنظلة

قلت: أهي فارغة أم مشغولة؟  أقصد هل هي متزوجة أو مخطوبة

 قالت: بل فارغة

قلت أتزوجينيها؟ قالت : نعم ، إن كنت كفؤا لها ، فاذهبْ الى عمّها فحدثهُ بمثل ما حدثتني به فإنها يتيمة الاب

يقول القاضي شريح : فتركتها ومضيتُ إلى منزلي لأقيلَ فيه، فامتنعت مني القائلة ولم يأتيني النوم لانشغال تفكيري بتلك الجارية، فلما صليتُ العصرَ أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف : علقمة والمسيّب وغيرهما ، ومضيتُ أريد عمّها -ويبدو أنه كان يعرفني ـ فاستقبلنا في بيته أحسن استقبال وقال : ما شأنك أبا أمية؟ قلتُ : زينب ابنة أخيك ، قال: ما بها عنك رغبةٌ، وما بك عنها من نقص ، قلت : فزوجنيها .. قال : نعْمَ الزوج انت , فأرسل لبعض رجال بني تميم وزوجني زينب بحضرتهم وبشهادتهم

فلما صارت زينب في عصمتي ندمتُ وقلتُ أي شيء صنعتَ يا شريح؟  فنساء بني تميم، مشهورات بغلظ قلوبهن وقساوة معاشرتهن، فقلتُ في نفسي سأطلقها قبل أن أدخل بها ، ثم قلت : لا، سأدخل بها أولا، فإن رأيتُ منها ما أحب أمسكتُها وإلا كان الطلاق

فلو شهدتني يا شعبي تلك الليلة ـ يقول القاضي شريح ـ وقد أقبلتْ نساؤها معها حتى أدخلوها عليَّ

فقالت حين دخلتْ : إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها, فتوضأتُ فإذا هي تتوضأ مثلي، وصليتُ فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما قضيتُ صلاتي أَتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني حلّةً قد صُبغت بالزعفران وطُيِّبت بالمسك والبخور.

فلما خلا البيت لنا وذهبت الجواري وبقينا لوحدنا ,دنوتُ منها، فمددت يدي إلى ناصيتها لأكشف الغطاء عن وجهها، فقالت على رسلك أبا أمية, ثم قالت

الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه، وأصلي وأسلم على محمد وعلى آله، أما بعد ، فإني امرأةٌ غريبة لا علمَ لي بأخلاقك فبيِّنْ لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كانت لك زوجة سابقة في قومك ، والآن قد ملكتَ، فاصنعْ ما أمرك الله تعالى به، إما إمساكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين

قال: فأحوجتني الفتاة ــ والله يا شعبي ــ إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي وأسلم على محمد وآله , أما بعد، فإنك قلتِ كلاماً إن ثبَتِّ عليه يكُنْ ذلك حظاً لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، إني أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ، وما رأيتِ من حسنة فبُثِّيها، وما رأيتِ من سيئة فاستريها, فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.

قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك فآذنُ له، ومن تكره منهم فأكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء

قال: فبتُّ معها يا شعبي بأنعم ليلة وأسعدها، ومكثتْ معي عاما لم أرَ منها قط إلا ما أحب

فلما كان رأس الحول جئتُ من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى , قلت: من هذه؟ قالوا فلانة أم زوجتك، قلت: مرحباً وأهلا وسهلا.

فلما جلستُ أقبلتْ العجوز عليّ وقالت : السلام عليك يا أبا أمية، فقلت وعليكِ السلام ومرحباً بك وأهلا , قالت : كيف وجدتَ زوجتك؟ قلت: خير زوجة وأوْفَقُ قرينة.. لقد أدّبتِ فأحسنتِ الأدب، وريّضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً.

فقالت : إن المرأة لاترى في حال أسوأ خلقاً منها في حالتين ...اذا حظيت عند زوجها ،واذا ولدت غلاما.

فان رابك منها ريب ( لا حظت ما يغضبك منها) ، فالسوط (أي عليك بضربها)

قال شريح فلبثتْ معي عشرين سنة وما عبتُ عليها شيئا في تلك السنين قط.

ولعل في هذه القصة يا مدللتى من الدروس ما يفيدنا في الحياة الزوجية رجلاً كان أو امرأة.. فمن هذه القصة نتعلم:

·        يجب أن يتحلى الرجل بالالتزام والتدين.

·        على الرجل الاسراع بالزواج اذا وقع في قلبه حب فتاة خشية الفتنة.

·        التحرى عن الفتاة وأهلها قبل الارتباط بها.

·        اتباع السنن المتواترة عن الرسول الكريم حتى  في مسائل الزواج.

·        التزين والتطيب للمراة.

·        إتباع وسيلة الحوار والملاطفة مع الفتاة في بداية العهد بالزواج لاستجلاب الألفة وانحسار الرهبة.

·        التفاهم بين الزوجين من أسباب نجاح الزواج وذلك بأن يسعى كلاهما إلى معرفة ما يحبه الآخر ،كذلك أن يحدد كل منهما السلوكيات التى يكرهها لكى يسعى الطرف الآخر قدر استطاعته الى التخلص منها لتحقيق السكن والمودة.

·        الإنصات فن.. فاذا أنصت الطرفان كل إلى الآخر فإن هذا يؤدى بالطبع إلى تبصر كل منهما بكلام الآخر وبالتالى فهم مراده والسعى لإرضائه.

·        وجوب طاعة الزوجة لزوجها في كل ما يأمرها به دون مجادلة ،طالما لم يأمرها بما ينافى الشرع والدين.

·        يجب أن يكون لأهل الزوجة مكانة ومنزلة وتقدير لدى الزوج ،ولكن على الزوجة أن تتحرى موافقة زوجها على زيارة أهلها لبيته قبل استضافة أيهم .

·        الأم الصالحة يمتد تأثير تربيتها لابنتها إلى ما بعد الزواج ،بل وتظل تمنحها من نصائحها وخبراتها ما يقوى دعائم بيتها ويدفعها لإنجاح حياتها الزوجية.

·        يجب أن ينحي الأهل أى عاطفة غير موضوعية عند إسداء النصح لابنتهم ،وألا يتدخل أحدهم بما يثير الشحناء بين ابنتهم وزوجها .

·        يجب على الرجل  ألا يبالغ في تدليل زوجته وطلب رضاها لأن المرأة عندما ترى موضعها ومكانتها عند زوجها  قد تصاب بالتيه والغرور مما يجعلها لا تأبه لغضبه منها عندما تسئ إليه أو تقصر في واجباتها نحوه.. لذا يجب عليه يدللها هوناً ما ،وأن يحسن التصرف في تقنين ميله لها ،فالخير في الوسطية.

 



تعليقات

المشاركات الشائعة