دعونا نبدأ موضوعنا بهذه الصورة المعبرة ....
هذه الصورة تعبر عن مظهر من مظاهر الإختلاف بين البشر فكلاهما صحيح و لكن من موضع مختلف فكما يعلم الجميع أنَّ كلٌّ منَّا خلقه الله بما يميزه عن الآخر لكى يكمل بعضنا بعضاً و نعمِّر الأرض فالإختلاف بيننا يجب أن يرتقى من مستوى الشجار إلى مستوى التعقُّل و الإحتواء . كيف ؟؟
و ذلك بالإستماع للطرف الآخر و إعطائه الفرصة كاملة للتعبير عن وجهة نظره فقد يكون إختلافى معه جزئياً و مما لا شك فيه أن ما يُقال من جانبه لا ينقصنى شيئاً إن لم يكن يزيدنى . ماذا و إن انتهى و ظلَّ الإختلاف قائماً ؟؟
فى تلك الحالة يجب علىَّ أن أتحلى بصفات الشخص المقنع خصوصاً و إن كان الحق معى فلا يجب أن أحاول تأييده بما يُفقدنى مصداقيتى على سبيل المثال بالصوت المرتفع أو بالسب فكما نعلم الحق لا يحتاج لمثل هذه الأمور لكى ينتشر و لكن يحتاج إلى الحكمة و المنطق السليم .
و قد تسنَّت لىَّ الفرصة ذات يوم حضور أحد محاضرات الدكتور إبراهيم الفقى (رحمه الله) و قد دونت فيها ما يسمى بمهارات الإقناع و مما ذُكر فى تلك المحاضرة :
- دعه يتكلم و يعرض قضيته :
لاتقاطع متحدثك ودعه يعرض قضيته كاملة حتى لايشعر بأنك لم تفهمه... لأنك اذا قاطعته اثناء كلامه فإنك تحفزه نفسيا على عدم الاستماع اليك .
ذلك لأن الشخص الذي يبقى لديه كلام في صدره سيركز تفكيره في كيفية التحدث ولن يستطيع الانصات لك جيدا ولا فهم ماتقوله وانت تريده ان يسمع ويفهم حتى يقتنع كما ان سؤاله عن اشياء ذكرها او طلبك منه اعادة بعض ماقاله له اهمية كبيرة لأنه يشعر الطرف الآخر بأنك تستمع اليه وتهتم بكلامه ووجهة نظره وهذا يقلل الحافز العدائي لديه ويجعله يشعر بأنك منصف وعادل .
- توقف قليلا قبل ان تجيب :
عندما يوجه لك سؤالا تطلّع اليه وتوقف لبرهة قبل الرد لأن ذلك يوضح انك تفكر وتهتم بما قاله ولست متحفزاً للهجوم عليه .
- التنازل للوصول إلى الهدف :
لاتحاول ان تبرهن على صحة موقفك بالكامل وان الطرف الآخر مخطئ تماما في كل مايقول.. اذا اردت الاقناع فأقرّ ببعض النقاط التي يوردها حتى ولو كانت بسيطة وبيّن له انك تتفق معه فيه لأنه سيصبح اكثر ميلا للاقرار بوجهة نظرك وحاول دائما ان تكرر هذه العبارة: انا اتفهم وجهة نظرك، أو: انا اقدر ماتقول واشاركك في شعورك .
- "صوتك العالى دليل على ضعف موقفك" :
احيانا عند المعارضة قد تحاول عرض وجهة نظرك او نقد وجهة نظر متحدثك بشيء من التهويل والانفعال، وهذا خطأ فادح، فالشواهد العلمية أثبتت ان الحقائق التي تعرض بهدوء اشد اثراً في اقناع الاخرين مما يفعله التهديد والانفعال في الكلام.. وقد تستطيع بالكلام المنفعل والصراخ والاندفاع ان تنتصر في نقاشك وتحوز على استحسان الحاضرين ولكنك لن تستطيع اقناع الطرف الاخر بوجهة نظرك بهذه الطريقة وسيخرج صامتا لكنه غير مقتنع ابدا ولن يعمل برأيك .
- إدعم وجهة نظرك بوجهات نظر لآخرين غيرك :
اذا اردت استحضار دليل على وجهة نظرك فلا تذكر رأيك الخاص ولكن حاول ذكر رأي اشخاص آخرين، لأن الطرف الاخر سيتضايق وسيشكك في مصداقية كلامك لو كان كله عن رأيك وتجاربك الشخصية.. على العكس مما لو ذكرت له اراء وتجارب بعض الاشخاص المشهورين وغيرهم وبعض ماورد فى الكتب والاحصائيات لأنها ادلة اقوى بكثير .
- اسمح له بالحفاظ على ماء وجهه :
ان الاشخاص الماهرين والذين لديهم موهبة النقاش هم الذين يعرفون كيف يجعلون الطرف الآخر يقر بوجهة نظرهم دون ان يشعر بالحرج او الإهانة، ويتركون له مخرجا لطيفا من موقفه، اذا اردت ان يعترف الطرف الآخر لك بوجهة نظرك فاترك له مجالا ليهرب من خلاله من موقفه كأن تعطيه سببا مثلا لعدم تطبيق وجهة نظره او معلومة جديدة لم يكن يعرف بها او أي سبب يرمي عليه المسؤولية لعدم صحة وجهة نظره مع توضيحك له بأن مبدأه الاساسي صحيح.. ولو أي جزء منه.. ولكن لهذا السبب.. الذي وضحته.. وليس بسبب وجهة نظره نفسها.. فإنها غير مناسبة .
اما الهجوم التام على وجهة نظره او السخرية منها فسيدفعه لا إراديا للتمسك بها اكثر ورفض كلامك دون استماع له لأن تنازله في هذه الحالة سيظهر وكأنه خوف وضعف . وهو ما لا يريد اظهاره مهما كلّف الامر .
و تلك العناصر تفيد فى الإرتقاء بمستوى الإختلاف من السب و الصوت المرتفع إلى مستوى إنسان ميَّزه الله بالعقل دون سائر المخلوقات كى يتفكر و يعمر الأرض و لا يصل الخلاف إلى خسارة أشخاص نحبهم و يحبونا .
و مما قيل عن الإختلاف :
- "إختلاف الرأى لا يفسد للود قضية"
للدكتور أحمد لطفى السيد (اول رئيس لجامعه القاهرة ووزيرا للمعارف ووزيرا للداخلية ورئيس مجمع الكتب سابقاً) رحمه الله
- "رأيى صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"
للإمام الشافعى رحمه الله
و نختم بهذا الدعاء كى يعيننا على الغضب و يرزقنا السكينة : "اللهم إن غضبى قد أعمى بصيرتى و شلَّ تفكيرى فارزقنى السكينة و السلام يا مالك عقلى و تدبيرى"
عبدالرحمن القاضى
تعليقات
إرسال تعليق